الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.وفاة أبي سعيد ملك العراق وانقراض أمر بني هلاكو. ثم توفي أبو سعيد ملك العراق من التتر ابن خربندا بن ابغو بن ابغا بن هلاكو بن طولى خان بن جنكزخان سنة ست وثلاثين وسبعمائة لعشرين سنة من ملكه ولم يعقب فانقرض بموته ملك بني هلاكو وصار الأمر بالعراق لسواهم وافترق ملك التتر في سائر ممالكهم كما نذكر في أخبارهم ولما استبد ببغداد الشيخ حسن من أسباطهم كثر عليه المنازعون فبعث رسله إلى الناصر قبل وفاته يستنجده على أن يسلم له بغداد ويعطي الرهن في العساكر حتى يقضي بها في أعدائه فأجابه الناصر إلى ذلك ثم توفي قريبا فلم يتم والأمر لله وحده..وصول هدية ملك المغرب الأقصى مع رسله وكريمته صحبة الحاج. كان ملك بني مرين بالمغرب الأقصى قد استفحل لهذه العصور وصار للسلطان أبي الحسن علي بن السلطان أبي سعيد عثمان بن السلطان أبي يوسف بن يعقوب بن عبد الحق جد ملوكهم وأسف إلى ملك جيرانهم من الدول فزحف إلى المغرب الأوسط وهو في ملكة بني عبد الواد أعداء قومه من زناتة وملكهم أبو تاشفين عبد الرحمن بن أبي حمو موسى ابن أبي سعيد عثمان بن السلطان يغمراسن بن زيان جد ملوكهم أيضا وكرسيه تلمسان سبعة وعشرين شهرا ونصب عليها المجانيق وأدار بالأسوار سياجا لمنع وصول الميرة والأقوات إليها وتقرى أعمالها بلدا بلدا فملك جميعها ثم افتتحها عنوة آخر رمضان سنة سبع وثلاثين ففض جموعها وقتل سلطانها عند باب قصره كما نذكره في أخبارهم ثم كتب للملك الناصر صاحب مصر يخبره بفتحها وزوال العائق عن وفادة الحاج وأنه ناظر في ذلك بما يسهل سبيلهم ويزيل عللهم وكانت كريمة من كرائم أبيه السلطان أبي سعيد ومن أهل فراشه قد اقتضت منه الوعد بالحج عندما ملك تلمسان فلما فتحها وأذهب عدوه منها جهز تلك المرأة للحج بما يناسب قرابتها منه وجهز معها للملك الناصر صاحب مصر هدية فخمة مشتملة على خمسمائة من الجياد المغربيات بعدتها وعدة فرسانها من السروج واللجم والسيوف وظرف المغرب وما عونه من شتى أصنافه ومن ثياب الحرير والصوف والكتان وصنائع الجلد حتى ليزعموا أنه كان فيها من أواني الخزف وأصناف الدر والياقوت وما يشبههما في سبيل التودد وعرض أحوال المغرب على سلطان المشرق ولعظم قدر هذه الوافدة عند الناصر أوفد معها من عظماء قومه ووزارئه وأهل مجلسه فوفدوا على الناصر سنة ثمان وثلاثين وأحلهم بأشرف محل من التكرمة وبعث من إصطبلاته ثلاثين خطلا من البغال يحملون الهدية من بحر النيل سوى ما تبعها من البخاتي والجمال وجلس لهم في يوم مشهود ودخلوا عليه وعرضوا الهدية فعم بها أهل دولته إحسانا في ذلك المجلس واستأثر منها على ما زعموا بالدر والياقوت فقط ثم فرقهم في منازله وأنزلهم دار كرامته وقد هيئت بالفرش والماعون ووفر لهم الجرايات واستكثر لهم من الأزودة وبعث أمراء في خدمتهم إلى الحجاز حتى قضوا فرضهم في تلك السنة وانقلبوا إلى سلطانهم فجهز الناصر معهم هدية إلى ملك المغرب تشتمل على ثياب الحرير المصنوعة بالإسكندرية وعين منها الحمل المتعارف في كل سنة الخزانة السلطان وقيمته لذلك العهد خمسون ألف دينار وعلى خيمة من خيم السلطان المصنوعة بالشام فيها أمثال البيوت والقباب والكفات مرساة أطرافها في الأرض بأوتاد الحديد والخشب كأنها قباب مائلة وعلى خيمة مؤزر باطنها من ثياب الحرير العراقية وظاهرها من ثياب القطن الصرافية مستجادة الصنعة بين الحدل والأوتاد أحسن ما يراه من البيوت وعلى صوان من الحرير مربع الشكل يقام بالحدل الحافظ ظله من الشمس وعلى عشرة من الجياد المقربات الملوكية بسروج ولجم ملوكية مصنوعة من الذهب والفضة مرصعة باللآلي والفصوص وبعث مع تلك الجياد خدم يقومون ببنائها المتعارف فيها ووصلت الهدية إلى سلطان المغرب وقعت منه أحسن المواقع وأعاد الكتب والرسل بالشكر واستحكمت المودة بين هذين السلطانين واتصلت المهاداة إلى أن مضيا لسبيلهما والله تعالى ولي التوفيق..وفاة الخليفة أبي الربيع وولاية ابنه. قد ذكرنا أيام الظاهر وأنه أقام خليفة بمصر من ولد الراشد وصل يومئذ من بغداد واسمه أحمد بن محمد وذكرنا نسبة هنالك إلى الراشد وأنه بويع له بالخلافة سنة ستين وستمائة ولقبه الحاكم فلم يزل في خلافته إلى أن توفي سنة إحدى وسبعمائة وقد عهد لابنه سليمان فبايع له أهل دولة الناصر الكافلون لها ولقبوه المستكفي فبقي خليفة سائر أيام الناصر ثم تنكر له السلطان سنة ست وثلاثين لشيء نمي له عن بنيه فأسكنه بالقلعة ومنعه من لقاء الناس فبقي حولا كذلك ثم ترك سبيله ونزل إلى بيته ثم كثرت السعاية في بنيه فغربه سنة ثمان وثلاثين إلى قوص هو وبنيه وسائر أقاربه وأقام هنالك إلى أن هلك سنة أربعين قبل مهلك الناصر وقد عهد بالخلافة لابنه أحمد ولقبه الحاكم فلم يمض الناصر عهده في ذلك لأن أكثر السعاية المشار إليها كانت فيه فنصب للخلافة بعد المستكفي ابن عمه إبراهيم بن محمد ولقبه الواثق وهلك لأشهر قريبة فاتفق الأمراء بعده على إمضاء عهد المستكفي في ابنه أحمد فبايعوه سنة إحدى وأربعين وأقام في الخلافة إلى سنة ثلاث وخمسين فتوفي وولي أخوه أبو بكر ولقب المعتضد ثم هلك سنة ثلاث وستين لعشرة أشهر من خلافته ونصب بعده ابنه محمد ولقب المتوكل ونورد من أخباره في أماكنها ما يحضرنا ذكره والله سبحانه وتعالى أعلم بغيبه.
|